تحميل كتاب دهشة القص: القصة القصيرة جدًا في المملكة العربية السعودية

القصة القصيرة كتابة إبداعية خلاقة متجددة، مر عليها عشرات العقود، والتحولات الأدبية لمختلف الفنون الكتابية، إلا أنها ما زالت في قمة جذوتها، كتابة، ونتاجًا ونشرًا، وإصدارًا، واهتمامًا واسعًا في كل مكان وموقع عالمي.
امتازت القصة القصيرة عن غيرها في محافظتها على نسقها وتكوينها اللذين تأسست عليهما، وأقصد بذلك: القص والحكاية؛ وجاء في (لسان العرب) لابن منظور: قال الليث: القَص فعل القاص إذا قص القصص، والقصة معروفة، ويقال: في رأسه قصة، يعني: الجملة من الكلام، ونحوه قوله تعالى: ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ (سورة يوسف: 3) أي: نبين لك أحسن البيان. ويقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئًا بعد شيء، ومنه قوله تعالى: ﴿وقالت لأخته قصيه﴾ (سورة القصص: 11) أي: تتبَّعي أثره.
وقد وردت في القرآن الكريم في أكثر من ستة وعشرين موقعًا ومعنى، والقصة: الخبر، وهو القصص، وقص عليّ خبره يقصه قصًّا وقصصًا: أورده. والقَصص: بالفتح الخبر المقصوص، والقِصص: بكسر القاف، جمع القصة التي تكتب.
والقاص: الذي يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها وألفاظها.

من كل ما مضى يتأكد لي أن القصة القصيرة فن لا يقبل تداخل الأشكال الأدبية، ولا يقبل إلا القصة بأي صورة كانت، وأقصد بذلك الحجم، واستخدام المفردات والجمل، والاستفادة من التقنيات الكتابية الحديثة والمتطورة، لونيًّا وبصريًّا وصوتيًّا وحيوية لا تهدأ.
ويأتي هذا الكتاب ليبرز شكلًا وحجمًا في كتابة القصة القصيرة، اصطلح على تسميته بالقصة القصيرة جدًّا، أعرفها بأنها هي: الحدث + الحكاية + التكثيف + الدهشة + الصدمة + اللغة المجنحة + البلاغة بأرقى جمالها + التأويل + الفلسفة + الاقتصاد اللفظي: 30-50 كلمة.
أما الدكتور جميل حمداوي فقد عرفها بأنها: جنس أدبي حديث يمتاز بقصر الحجم، والإيحاء المكثف، والنزعة القصصية الموجزة، والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة، فضلًا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب والنفس الجمالي القصير الموسوم بالحركية والتوتر وتأزم المواقف والأحداث، إضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ما هو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي.
وفي المملكة العربية السعودية جاءت النقلة الفنية في كتابة القصة القصيرة مع بدايات السبعينيات الميلادية عام 1970م، على يد عدد من كتابها الذين أحدثوا نقلة في كتابة القصة القصيرة، وتحولًا جماليًّا بعد الكتابة التقليدية لأكثر من ثلاثة عقود مضت، وهو ما تطلب التجريب في كتابة القصة القصيرة جدًّا، فأحدثت شكلًا من الأشكال الكتابية للقصة القصيرة، ومرت بهدوء لا يذكر في الدراسات النقدية والأدبية، لكونها قصة قصيرة فقط.
أما النقلة الحقيقية لها فقد بدأت بعد أن تم تنصيص المجموعات القصصية بأنها: قصص قصيرة جدًّا، وأول من أحدث ذلك الكاتب عبدالعزيز الصقعبي في مجموعته: فراغات، ثم تتالى ذلك في الإصدارات الخاصة بها، أو يذكر على الغلاف: قصص قصيرة وقصيرة جدًّا.
وفي هذا الكتاب دراسة ببليومترية تفصيلية عن هذا الواقع المفرح للقصة القصيرة جدًّا، أتت بعد الدراسة الببليوغرافية الواسعة التي حرصت فيها على تتبع جميع ما صدر في هذا المجال، وسيجد الدارس والباحث والمتلقي إجابات واسعة عن كل رغباته، وضمّنت الكتاب أجمل الكتابات القصصية في القصة القصيرة جدًّا، وجميع المشاركين من روادها ومبدعيها ومن لهم تاريخ طويل في كتابتها، وهم نماذج سعودية راقية، وهناك غيرهم الكثير والكثير.
آمل أني وضعت كتابًا يؤرخ كتابة وإبداعًا للقصة القصيرة جدًّا في المملكة العربية السعودية، ومعينًا للدارسين والباحثين في معرفة تفاصيل هذا الجمال النثري الراقي.